الأشخاص الذين روجوا لمقولة أن "بوش قد كذب... وكذبه جعل الناس يموتون"، يدعون أن تقرير المفتش العام الحالي لـ"البنتاجون"، بخصوص المعلومات الاستخباراتية التي قدمها مكتبي السابق بشأن العراق، تدعم قضيتهم... في حين أن ما قاله المفتش العام يختلف تماماً عما يدعونه. فالمفتش العام "توماس جيمبل" ركز على إيجاز معين قدمه "البنتاجون" عام 2002 كان عبارة عن تحليل نقدي للمعلومات الاستخباراتية التي قدمتها الـ"سي. آي. إيه" بخصوص العلاقة بين حزب "البعث" وتنظيم "القاعدة". وخلص التقرير الذي أعده المفتش العام في هذا الخصوص إلى أن العمل الذي أنجزه مكتبي كان قانونياً تماماً ومرخصاً، وأن السيناتور "كارل ليفين" كان مخطئاً عندما ادعى أننا قد "خدعنا" الكونجرس. بيد أن "جيمبل" جعل "ليفن" يشعر بالسعادة عندما وصف تقرير البنتاجون بأنه "لم يكن ملائماً"، وهي كلمة صبها السيناتور في قالب سياسي كما هو واضح. ونقطة الخلاف هنا تدور حول سؤال سهل وحرج في الوقت ذاته: هل يجب أن يتمتع المسؤولون السياسيون بالحرية في طرح أسئلة بشأن عمل الاستخبارات؟ في رأي "جيمبل" فإن الإجابة هي كما يبدو بالنفي وهو ما أختلف معه. بادئ ذي بدء، يجب أن نتفق على أن عمل الاستخبارات شاق، وأن بعض ما قمنا به كان جيداً في حين كان بعضه الآخر سيئاً للغاية أو حتى كارثياً... كما يعرف كل شخص من الأشخاص الذين كان لديهم علم بالفشل الذريع الذي منيت به الـ"سي. آي. إيه" في موضوع أسلحة الدمار الشامل العراقية. ومن المعروف أن المعلومات الاستخباراتية بحكم طبيعتها عادة ما تكون تكهنية وتأخذ بالظواهر كما أنها كثيراً ما تكون مغلوطة، كما حدث في كثير من المرات سابقاً. لكن نوعية تلك المعلومات الاستخباراتية تتحسن عندما يتمتع رجال السياسة بالحرية في التحقق منها ومساءلتها. في معرض تقويمهم لسياستنا نحو العراق في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر 2001، أدرك رجال مكتبي أن محللي الـ"سي.آي.إيه" قد تكتموا على بعض المعلومات، وأنهم قد استبعدوا التقارير التي تعارضت مع نظريتهم المفضلة، وهي تلك التي كانت تقول إن النظام البعثي العلماني لن يتعاون مع جهاديي "القاعدة" (وإن كنا نواجه في الوقت الراهن تحالفاً استراتيجياً بين البعثيين السابقين والجهاديين في العراق). لم يشتر مسؤولو البنتاجون تلك النظرية، وقدموا عام 2002 إيجازاً يعكس تشككهم فيها. ولم يكن هدفهم من ذلك طرح نظرية مختلفة، وإنما مجرد حث الـ"سي.آي.إيه" على عدم استبعاد أية معلومات ذات علاقة من التقارير التي تقدمها لصناع السياسة. ولم يستلم ذلك الإيجاز سوى أربعة من المسؤولين الحكوميين الكبار هم: دونالد رامسفيلد، وجورج تينيت، وستيفن هادلي، ولويس ليبي. في عام 2004، أثنى تقرير صادر عن لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الأميركي على نوعية العمل الذي قامت به البنتاجون بشأن العلاقة بين نظام "البعث" ومنظمة "القاعدة"، كما أثنى على الإيجاز النقدي الذي قدمه مكتبي، وعلى النقاش المتعلق بهذا الموضوع والذي دار بين البنتاجون وبين "سي. آي.إيه". لكن تقرير المفتش الحالي للبنتاجون يذهب إلى أن المسؤولين السياسيين قد "قوضوا" مصداقية الـ"سي. آي. إيه" بالإشارة إلى "مشكلات جوهرية" في الطريقة التي استخدمتها أجهزة الاستخبارات، في تقييم المعلومات المتعلقة بالعلاقة بين "البعث" و"القاعدة"، على رغم أنه كان قد قال أثناء جلسة استماع لمجلس الشيوخ الأميركي عقدت الأسبوع الماضي: "مرة أخرى أجد نفسي مضطراً لأن أذكّر كل شخص بأننا لم نقيم صحة كل جانب من جانبي هذا الموضوع". ووصف "جيمبل" إيجاز البنتاجون بأنه "غير ملائم" ليس بسبب أي أخطاء قد تكون متضمنة فيه، ولكن لأنه نظر إليه باعتباره "نشاطاً استخباراتياً" يختلف عن الإجماع السائد لدى مجتمع الاستخبارات. غير أن مسؤولي البنتاجون أخبروا المفتش العام بأن الإيجاز كان نشاطاً سياسياً أو "تحليلاً نقدياً لمنتج استخباراتي". لو لم يصبح هذا التقرير جزءاً من معركة سياسية، لكان موقف "جيمبل" قد تعرض للاستهزاء والسخرية عبر الطيف السياسي. فالأشخاص العاقلون يدركون أهمية الاستجوابات القوية للاستخبارات من جانب زبائن الـ"السي. آي. إيه". ويذكر في هذا السياق أنه في التقارير المتفق عليها بالإجماع من جانب الحزبين بشأن المعلومات الاستخباراتية حول العراق، دعت كل من لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الأميركي ولجنة "سيلبرمان- روب" بشأن أسلحة الدمار الشمال إلى مزيد من تلك الاستجوابات. وفيما يتعلق بشكل خاص بنقد البنتاجون للمعلومات التي قدمتها الـ"سي. آي. إيه" عن العلاقة بين العراق و"القاعدة"، أشار التقرير الصادر عن مجلس الشيوخ عام 2004 إلى أن الاعتراضات التي قدمناها كانت نافعة، وأن محللي الاستخبارات قد "أفادوا بأن تلك الأسئلة قد أرغمتهم على العودة إلى التقارير الاستخباراتية ومراجعتها وأنهم عثروا في سياق ذلك على بعض المعلومات التي كانوا قد أغفلوها لدى قراءاتهم الأولية". في الشهادة التي أدلى بها "جيمبل" قال أيضاً إن تقريره، وبالتالي جميع الادعاءات التي قالت إن مكتبي قد ارتكب "تلاعباً في المعلومات الاستخباراتية" يتعلق فقط بهذا الإيجاز على وجه التحديد، وأن كل الحجج التي قدمها تتركز على الادعاء بأن ذلك الإيجاز تم "تعميمه" على أساس أنه "منتج استخباراتي" وليس "منتجا سياسياً" -وإن كان قد أقر في ذات الوقت بأنه لا "رامسفيلد" ولا "تينيت" كان يمكن أن يخطئ في تحديد شخصية من قدموا ذلك الإيجاز، ومعرفة أنهم ينتمون إلى "مجتمع الاستخبارات"، وهو ما يعني بالتالي أن كل اعتراضاته تنطبق فقط على الإيجاز الذي استلمه كل من "هادلي" و"ليبي" في سبتمبر 2002. والشيء الذي يدعو للدهشة أن المفتش العام للبنتاجون أقر بأن مكتبه لم يجرِ مقابلة مع أي من هؤلاء المسؤولين لمعرفة ما إذا كان ذلك الإيجاز منتجاً استخباراتياً أم لا. وطالما أن الأمر كذلك فإنه يمكن القول إن "جيمبل" ليس لديه ما يستند عليه في الزعم بأن ذلك الإيجاز قد تم النظر إليه على أنه نشاط استخباراتي وهو ما يعني بالتالي أن كل قصده كان القول إن ذلك الإيجاز "مختلف مع الإجماع السائد لدى مجتمع الاستخبارات". بالطبع كان يجب أن يكون مختلفاً، لأنه كان يمثل تقريراً نقدياً وهذا هو الأساس الذي تم إعداده عليه. نخلص من ذلك كله أن توصيف "جيمبل" كان التفافياً وغير مباشر بدرجة تستدعي الاستغراب. والحقيقة أنه قدم -مدفوعاً في ذلك برئيسي لجنة الاستخبارات ولجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ- نصيحة سيئة مبنية على تقصٍّ للحقائق غير كامل ومنطق بائس، وهو بذلك يثبط أي عملية استجواب حقيقي لعمل الاستخبارات، في الوقت الذي تحتاج فيه حكومتنا إلى المزيد من تلك الاستجوابات وليس إلى التقليل منها. دوجلاس فيث وكيل وزارة الدفاع الأميركية بين عامي 2001 و2005 ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"